لم تمضِ سوى سنوات أربع على إتمام الاحتلال سيطرته على كامل فلسطين، حتى كان الشيخ الجعبري قد طاف مدن فلسطين، يحشد الطاقات لتأسيس شبكة للتعليم العالي في فلسطين. وفي الخامس من نيسان 1971 كان الشيخ قد انتُخب رئيساً للمؤتمر الأول للتعليم العالي الذي عقد في رام الله.
بعد أقلّ من شهرين، وتحديداً في السابع عشر من أيار 1971 عُقد المؤتمر الثاني، وقد ساهمت البيئة السياسية حينها في ألّا يُكتب لهذا المؤتمر النجاح. فقد جادل البعض حينها، وخصوصاً من الأشقّاء العرب، أنّ في تأسيس جامعة تحت الإحتلال مخاطرة بالإنفصال. بينما كان الشيخ الجعبري يعتقد بأنّ المقاومة ندّية للإحتلال قبل أن تكون ردّة فعلٍ على سلوكه، كان سماحته يرى في الجامعة الفلسطينية بؤرة تنوير ضرورية، تستدعيها الحاجة إلى بناء مجتمعٍ متمكّن مناوئٍ للإحتلال، ولا تمكين دون علم.
لم تكن الجامعة التي حلم بها الشيخ الجعبري مجرّد مؤسسة تعليمية تنقل المعرفة أو تصنعها. كان يرى فيها جسراً من جسور التحرير، أرادها شبكة من الكلّيات المتصلة المترابطة الموزّعة على مدن فلسطين، وقد أرادها مؤسسة ذاتية الاكتفاء، فنادى بالاستفادة من فلسطينيّي الشتات كمحاضرين فيها، وهو هنا؛ إذ يحاول بناء قلعة علم، يحاول أيضاً تقويض مخططات الإحتلال بتهجير العقول ومنع العودة.
لم يطوِ الشيخ صفحة هذه الجامعة حين أُفشِلَ المؤتمر، إذ انطلق في ذات العام ومن الخليل ليعلن عن تأسيس مركز الدراسات الإسلامية العليا، ورغم أنّ سلطات الاحتلال عرقلت التأسيس وحاولت منعه، إلّا أنّ إصرار الشيخ أثمر في الثامن والعشرين من شهر آب عام 1972، حيث تم تشكيل اللجنة التحضيرية في ظل انتقادات واسعة من الداخل والخارج. مع ذلك؛ عقدت اللجنة التحضيرية اجتماعها الأول في الثالث والعشرين من شهر أيلول 1972، وتم انتخاب الشيخ الجعبري رئيساً لها، وحمدي كنعان نائباً لها، وعزيز شحادة سكرتيراً. واستطاعت اللجنة تأمين الدعم الشعبي والرسمي، وأقرّت ما عُرف حينها بـ "قانون الجامعة العربية الفلسطينية".
اختلفت اللجنة على مكان الجامعة، لكنّ ذلك لم يقطع طريق الشيخ الطويل، استمرّ في كلّية الدراسات الإسلامية في الخليل، وبعد أقلّ من عقدٍ على تأسيس كلّية الشريعة، تحوّلت إلى جامعة تحمل اسم "الخليل" في عام 1980، لتحتضن الطلبة من كافة مدن وقرى ومخيمات الوطن، وها هي اليوم؛ جامعة منافسة تضمّ إحدى عشرة كلية، وتقدّم خمسة وأربعين برنامجاً أكاديمياً في مرحلة البكالوريوس، واثني عشر برنامجاً في مرحلة الماجستير, وتحتضن أكثر من 9000 آلاف طالب وطالبة، يرعاها مجلس أمناء برئاسة الدكتور نبيل الجعبري، نجل المرحوم الشيخ الجعبري.
علاوة على ذلك، ولا تنسى مآثر الشيخ في إنشاء معهد المعلمين في العروب عام 1958 لتأهيل المعلمين على أحدث طرق التربية وإنشاء المدرسة الزراعية في العروب عام 1964 ودورة في إقامة وتشيد عشرات المدارس. ليس فقط على مستوى المحافظة, وإنما على ضفتي النهر حين كان وزيراً للتربية والتعليم والمعارف, وإرسال البعثات التعليمية إلى دول الخليج.